02 أُكْتُوبِر 2023
عربي Türkçe
اختيار اللغة:

الكتّاب

عدنان كوجوك

 - رئيس الجمهورية الحزبي في تركية
29-06-2017 10:37

في الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 16 أبريل / نيسان 2017 تم القبول بالتعديلات الدستورية التي تسمح لرئيس الجمهورية الاحتفاظ بانتمائه الحزبي، ويلغي الحكم الدستوري الذي يمنعه من الانتماء إلى أحزابٍ سياسيةٍ. وقد أصبح هذا الحكم نافذاً اعتباراً من تاريخ نشر التعديلات الدستورية في الصحف الرسمية، ولم يعد هناك قانونٌ دستوريٌّ يمنع رئيس الجمهورية من أن يكون عضواً في حزبٍ سياسيٍ معين. وبذلك يمكن أن يتحلى رئيس الجمهورية في علاقته بالأحزاب السياسية بإحدى الحالات الثلاث التالية:

أولها: أن لا يكون رئيس الجمهورية عضواً في أي حزبٍ سياسي.

ثانيها: أن يكون رئيس الجمهورية عضواً في حزبٍ سياسي.

ثالثها: أن يكون رئيس الجمهورية عضواً في حزبٍ سياسيٍ وزعيماً عاماً لهذا الحزب في آنٍ واحدٍ.

بناء على هذا التعديل عاد رئيس الجمهورية الحالي السيد رجب طيب أردوغان عضواً في حزب العدالة والتنمية بتاريخ 2 مايو / أيار 2017، وسيتم انتخابه زعيماً عاماً لحزب العدالة والتنمية في المؤتمر الاستثنائي المزمع انعقاده في 21 مايو / أيار 2017.

احتدم الجدال والنقاش في تركية إثر حكم التعديل هذا، وعضوية السيد رئيس الجمهورية في حزب العدالة والتنمية، وانتخابه زعيماً عاماً للحزب. فوجّهت بعض الأوساط انتقاداتٍ لاذعةٍ وحادةٍ جداً وكأن هذا الحكم استثنائيٌّ لا يوجد إلا في تركية. ووجهت انتقاداتٌ أخرى تنطلق من النص الدستوري الذي ينص على حيار رئيس الجمهورية واحتضانه الجميع، فوجهت الانتقاد إلى صلاحية رئيس الجمهورية في تعيين الوزرات والمناصب المهمة والعليا، وأن ذلك سيؤدي إلى فريق عمل تتبنى آراءً واحدةً، وأن رئيس الجمهورية بهذه الطريقة سيسيطر على جميع المؤسسات، وما شابه ذلك.

ولا يمكن في الحقيقة القول إن ما شهدتها تركية في الأعوام الماضية من حيث علاقات رئيس الجمهورية بالأحزاب السياسية التي تتسم بالرسمية أحياناً وبغير الرسمية أحياناً أخرى منسجمة تماماً مع تطبيقات النظام الرئاسي الموجود في البلدان الأخرى التي تدار بالنظام الرئاسي.

في الأنظمة البرلمانية يسود اعتقادٌ بأن النفوذ السياسي الذي يتمتع به رئيس الجمهورية من حيث الصلاحيات والمسؤوليات يجب أن يكون في أقل مستوياته. لهذا السبب لا يُرْغَبُ من رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحيات رمزية ولا يترتب عليه مسؤوليات  سياسية؛ أن يتبنى موقفاً سياسياً باعتباره يمثل الدولة. ورغم ذلك، يندر أن يُصادف في دساتير البلدان التي تطبق النظام البرلماني في الغرب حكماً يحظر على رئيس الجمهورية أن يكون عضواً في حزب سياسي. فبعض البلدان مثل ألمانية والنمسة وإيطالية وإيرلندة واليونان تحتوي دساتيرها على أحكام لا تتطابق مع منصب رئاسة الجمهورية ومن بينها الأحكام التي تحظر على رئيس الجمهورية أن يكون عضواً في البرلمان، وأن يعمل في مؤسسة خاصة أو عامة تدرّ عليه دخلاً 1، لكنها تخلو من الأحكام التي تحظر عليه أن يكون عضواً في أحزاب سياسية.

إن مدى تبني رئيس الجمهورية في هذه البلدان مواقف منحازة سياسياً مرتبطٌ على الأغلب بثقافتها السياسية الشائعة.  ولا يمكن لرؤساء الدول في أكثرية البلدان التي تطبق النظام البرلماني أن يمارسوا السياسة، لكنه لا يوجد في الدستور ما يمنع رئيس الجمهورية من ممارسة السياسة فعلياً.

إن انتخاب رؤساء الجمهورية في النظام البرلماني من قبل البرلمان الذي يتشكل من أعضاء لهم انتماءات حزبية سياسية، والذي يمثل جهازاً سياسياً، وانحدار رؤساء الجمهورية في أغلب الأحيان من جذور حزبية سياسية، وكونهم أعضاءً في أحزاب سياسيةٍ معينة مسبقاً؛ لا يمنعهم من امتلاك توجهات سياسية معينة. ويجب اعتبار هذا الأمر من متطلبات تدفق الحياة السياسية الطبيعية.

ومن البديهي في الأنظمة شبه الرئاسية أن يواصل رئيس الجمهورية عضويته في حزب محدد لأنه يملك قدراً كبيراً من النشاط السياسي بفضل  انتخابه من قبل الشعب وامتلاكه الصلاحيات. ويحق لرئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي أن يقوم بتسيير سياسات معينة لأن هذا النظام يستلزم القيام بحملات انتخابية واسعة النطاق، ولأن رئيس الجمهورية يتمتع بنشاط سياسي عالٍ، وهذا ما يضاعف حاجة رئيس الجمهورية لأن يكون عضواً في حزب سياسي معين. لهذا السبب يجب اعتبار عضوية رئيس الجمهورية في حزب سياسي معين، بل فتح الطريق أمامه ليكون زعيماً عاماً لهذا الحزب شرطاً طبيعياً في النظام شبه الرئاسي2.

أما في الأنظمة الرئاسية فإن صلاحيات الرئيس (رئيس الجمهورية في تركية وبعض دول أمريكة اللاتينية التي تدار بالنظام الرئاسي) في أعلى مستوياتها. فالرئيس في هذا النظام يملك صلاحيات وأدوار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والحكومة في آن واحد. فهو الشخص الذي يتمتع بصلاحياتٍ ونشاطاتٍ سياسيةٍ بأعلى مستوياتها. الرئيس هو الشخص الذي يحدد سياسات الحكومة وينفذها. 

وكذلك قدرة الرئيس على تسيير حملات انتخابية محدودةٌ، وتتطلب ميزانية كبيرة وفعاليات ترمي إلى هيكلة التشكيلات الرسمية، ولا يمكن للرئيس أن يقوم بتسيير الحملات الانتخابية بمفرده. وبالتالي فمن ضروريات هذا النظام أن يكون الرئيس عضواً في حزب سياسي معين، وحتى زعيماً عاماً لحزب هو عضو فيه. يواصل رئيس الجمهورية في أغلب البلدان التي تطبق النظام الرئاسي عضويته في حزبٍ سياسيٍ معينٍ بصورةٍ رسميةٍ، وفي بلدان أخرى يضطر لقطع علاقته بالحزب رسمياً بموجب حكمٍ صريحٍ في الدستور، ولكنه يبقى على علاقة بحزبه بصورةٍ غير رسميةٍ مقارنةً بالشروح النظرية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تطبق النظام الرئاسي على سبيل المثال يظل الرئيس على علاقته بحزبه بشكل رسمي. ولا يوجد في الدستور والقوانين حكماً يقضي بأن يقطع الرئيس علاقته بحزبه. في حين يمكن للأشخاص الذين سيشاركون في السباق الرئاسي في البرازيل أن يقدموا مرشحاً باسم حزبٍ سياسيٍ أثناء الحملات الانتخابية3.

وفي كوريا الجنوبية يجب على الشخص الذي يترشح للرئاسة أن يقطع علاقته بحزبه السياسي - إن وجد - قبل عامٍ على الأقل من الانتخابات4، في خطوةٍ منهم لتحقيق الحياد السياسي. لكن الرئيس يظل على علاقة غير رسمية بحزبه الذي انفصل عن عضويته رسمياً نظراً لوجود بنيةٍ حزبيةٍ قويةٍ في هذا البلد5. وفي الأرجنتين يتطلب من الشخص الذي يتم انتخابه رئيساً أن يقطع صلته الرسمية بحزبه بعد انتخابه إلا أنه يستمر في علاقته هذه فعلياً بأشكال مختلفة. والسبب الأهم في ذلك يعود إلى وجود أحزاب وتقاليد سياسية قوية من الناحية التاريخية6.

ولا يمكن أن ينتظر من الرئيس الذي يتم انتخابه من قبل الشعب ولديه قاعدةٌ سياسيةٌ معينةٌ أن يكون محايداً من الناحية السياسية، ولا يكون ذلك واقعياً. فالرئيس يسيّر حملاتٍ في الانتخابات الرئاسية من خلال طرح سياساتٍ معينةٍ وتقديم وعودٍ سياسيةٍ محددة. فالسياسات التي يتم تطويرها  وتنفيذها من قبل الرئيس في النظام الرئاسي تملك هويةً سياسيةً لا تقل عن الهوية السياسية التي تعكسها السياسات التي تطرحها الحكومة في النظام البرلماني. والقول إن السياسات التي ينفذها الرئيس تفتقر إلى الهوية السياسية أشبه بنهر يجري بعكس التيار. وكون الرئيس عضواً في حزبه السياسي أو زعيماً له لا يتناقض مع مبادئ الديمقراطية ومنطق النظام. ولو تطلب الأمر تحلل المسألة في تركية لأمكننا القول إنه لا يوجد في دستور 1924 حكمٌ يحظر على رئيس الجمهورية أن يكون عضواً في حزب سياسي. فرئيس الجمهورية الأول مصطفى كمال أتاتورك ورئيس الجمهورية الثاني عصمت إنونو كانا عضوين في حزب الشعب الجمهوري وزعيمين عامين له. وهذا التطبيق لا يتناقض مع رئيس الجمهورية المتحزب في الأنظمة البرلمانية التي جئت على ذكرها في الأعلى. أما رئيس الجمهورية الثالث جلال بيار فقد استقال من الزعامة العامة للحزب الديمقراطي، لكن الأسباب الذي دفعته للاستقالة لم تكن دستورية، بل خياراته السياسية.

وقد أدرج الحكم الدستوري الذي يوجب على رئيس الجمهورية أن يقطع صلته بحزبه في دستوري 1961 و1982. وهذا الحكم الذي يحظر على رئيس الجمهورية أن يكون عضواً في حزب ما؛ لم يكن شرطاً طبيعياً للنظام البرلماني، بل هو شرطٌ وليدٌ صنعته الظروف الخاصة بتركية والذهنية التي لا يمكن عدها ديمقراطية. وفي الفترات التي صار فيها الرئيس المنتخب عضواً في حزب سياسي تارةً وزعيماً عاماً تارةً أخرى شوهد رئيس الجمهورية خلال فترة رئاسته وهو يواصل عضويته وزعامته العامة السابقة بصورةٍ فعليَّةٍ. ولا يمكن القول إن هذا الأمر لا ينسجم مع الثقافة السياسية والظروف السياسية الموجودة في تركية. فكون رئيس الجمهورية عضواً في حزبٍ سياسيٍّ معينٍ، بل أن يكون زعيماً عاماً لهذا الحزب في النظام الجمهوري الرئاسي، الذي يملك نفس محتوى النظام الرئاسي؛ ينسجم تماماً مع التطبيقات الموجودة في الغرب ومع طبيعة هذا النظام في تركية.

ولا يغيب هنا أن رغبة الشخص البعيد عن عضوية الحزب أو زعامته العامة في مواصلة علاقاته بحزبه بصورة فعلية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية يمكن أن يشكل سبباً في إحداث مشاكل إداريةٍ جادةٍ داخل الحزب نتيجة الثقافة والظروف السياسية الخاصة بتركية. ويمكن باختصار أن تظهر رئاسةٌ مزدوجةٌ في الحزب بصورةٍ فعلية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الحزب وانهياره أحياناً. وهذا مرتبطٌ أيضاً بوجود أحزاب سياسية ترسخت جذورها وتشكلت تقاليدها على أساس النظام الديمقراطي. والحكم بوجوب قطع رئيس الجمهورية علاقته بحزبه دستورياً في بلدٍ تربط رئيس الجمهورية علاقةٌ فعليةٌ بحزبه؛ لا ينسجم مع الحقائق والظروف السياسية. فإتاحة الفرصة أمام رئيس الجمهورية باستمرار علاقته بحزبه السياسي، بل وزعامته لهذا الحزب نتيجة للتعديلات الدستورية الجديدة في تركية؛ تتوافق مع التطبيقات الموجودة في الغرب ومع الحقائق السياسية والثقافية الموجودة في تركية. وبخلاف ذلك من شأنه أن يدفع رئيس الجمهورية إلى مواصلة علاقته غير الرسمية بحزبه بشكلٍ يخالف الأحكام الدستورية تحت ضغط الأوضاع السياسية. ويبقى فتح الطريق أمام رئيس الجمهورية المتحزّب يمكن أن يعيد بناء النظام بشكلٍ ينسجم فيه الدستور في واقعه الرسمي والعملي.

مقالات أخرى
الأكثر قراءة
الكتاب