02 أُكْتُوبِر 2023
عربي Türkçe
اختيار اللغة:

الكتّاب

 سجكين قوج

 - إسقاطات سياسة إيران الخارجية وعلاقاتها التركية المتمحورة حول سورية
12-12-2017 11:56

د. سجكين قوج

تكثر الأبحاث والمقالات الحديثة التي تدور حول المثلث الإيراني السوري التركي، فماضي هذا الارتباط الثلاثي معروفٌ كواحدٍ من المواضيع الإقليمية الهامّة خلال السنوات الخمس الأخيرة. والموضوع الذي سيحدد مستقبله هو امتداد التحوّلات في السياسة الداخلية لكلٍّ من إيران وتركية. وتخصّ هذه المقالة إيران من بين الأطراف المذكورة، وتتناول على وجه الخصوص سياسة إيران الداخلية لأنها أساسٌ لتقييم سياستها الخارجية وعلاقتها بالشأن السوري، فلا يمكن الحديث عن سياسة خارجية مستقلة ومنفصلة عن ديناميكيات السياسة الداخلية في سلطات تقليدية كإيران.

سياسة إيران الخارجية الحالية في ظلّ سياستها الداخلية         

قال حسن روحاني في مؤتمرٍ صحفيٍ عقب انتخابه لرئاسة الجمهورية للمرة الثانية في الانتخابات التي جرت في 19 أيار عام 2017: "لقد رفض الشعب الإيراني التطرّف وآثر التفاعل مع العالم". والمهم هنا فهم الأسباب التي دفعته للتركيز على التطرف في سياق فهم سياسة إيران الداخلية الحالية التي تعيش تموجات في الوقت الحاضر، وهذا الفهم كما قلنا ضرورة لا بد منها في فهم سياستها الخارجية، وربما كان الذين يستبعدون التغيير في سياسة إيران الخارجية خلال السنوات الخمس المقبلة يجانبون الصواب.

على الرغم من المزاعم التي ترى بأن رئيس الجمهورية في إيران ليس له أي دور فاعل في إدارة البلاد، وأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجري مرة كل 4 سنواتٍ هي انتخابات شكلية؛ فإنّ وجهة النظر هذه تتغافل عن أمرٍ مهمٍّ، ألا وهو أن تربع المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي على قمة هرم السلطة في إيران بفضل الصلاحيات الواسعة الممنوحة له في الدستور؛ لا يسلب دور رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الفاعل نسبياً في صناعة السياسات واتّخاذ القرارات.

وتظهر فروقاتٌ مهمة في الآراء ووجهات النظر بين علي خامنئي وحسن روحاني. فمنصب المرشد الأعلى في إيران يُعتبر الحماية الصارمة لمقاربة ولاية الفقيه وجوهر أيديولوجية الدولة، ويقوم على محور الفكر المحافظ المتشدد. ففي إيران كيانان هامان يعززان من قوة السلطة التقليدية التي يتمتّع بها المرشد، هما: البنى الأساسية و(تشكّل الأوقاف التي تخضع لرقابة العلماء المصدر الأساسي للسلطة المادية العظيمة لمقام المرشد) والباسندران (جيش الحرس الثوري). ويحصل تغذية متبادلة بين مقام المرشد والأوساط التابعة لكلٍ من الكيانين سياسياً واقتصادياً.ورغم ذلك لم يتربّع على كرسي رئاسة الجمهورية خلال الخمس وعشرين سنة الماضية أيٌّ من المرشحين الّذين يدعمهم علي خامنئي دعماً مباشراً. وهذا بدوره أحدث صداماً بين المرشد ورئيس الجمهورية مرات عديدة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية.

 

منصب المرشد الأعلى في إيران هو الحماية الصارمة لمقاربة ولاية الفقيه وجوهر أيديولوجية الدولة، ويقوم على محور الفكر المحافظ المتشدد

 

 ويبدو أن النزاع لن يتوقف بين علي خامنئي وحسن روحاني الذي قام بتشكيل حكومته الجديدة في ختام المفاوضات الصعبة. فالحكومة الجديدة تم تصفيتها من الحرس الثوري بشكلٍ ملحوظ للعيان. والموضوع الذي سيركز عليه حسن روحاني خلال فترة ولايته الثانية موضوعٌ ذو ثقلٍ تكنوقراطيٍ من شأنه أن يدعم السياسات الاقتصادية في الحكومة الجديدة. هنا يقف خامنئي الذي يشدد دائماً على عداء الغرب وروحاني الذي يسعى لتنفيذ موجبات الاتفاق النووي على طرفي نقيض. وينعكس ذلك تعقيداً في مهام الحكومة الجديدة في سياستها الخارجية والاقتصادية. ومعلوم أن السياسات الاقتصادية تعتمد كثيراً على التطورات الحاصلة في السياسة الخارجية، إذ يتوجب على روحاني الذي تم انتخابه لولاية ثانية بعد أن أطلق وعوداً بجذب المستثمرين الأجانب إلى البلد، ورفع العقوبات، وزيادة واردات السياحة؛ أن ينأى عن أزمات جديدة في السياسة الخارجية، وأن يعطي صورةً عن سياسة داخلية مستقرة وسياسة خارجية قائمة على التعاون والتفاعلية البناءة، وعمله بالتالي صعبٌ للغاية.

ولا بد من التأكيد هنا على أنّ السياسة الخارجية الإيرانية لها وجهان مختلفان؛ فبينما يعير حسن روحاني وحكومته أولويةً لموضوع "التعاون مع الغرب"، لا يحرز أو يعجز عن إحراز أي تقدّم في الانصهار مع الغرب في بوتقةٍ واحدةٍ عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات صعبة وحاسمة حيال الشرق الأوسط لأن جيش الحرس الثوري هو المهيمن هناك بصورةٍ بارزة. وهنا تظهر فترة ولاية أصعب أمام حسن روحاني مقارنةً بفترة ولايته الأولى، فالعقوبات الاقتصادية المطبقة لم ترفع رغم الاتفاق النووي، ويمكن أن تبقى هذه العملية معلقةً إلى حدٍ كبيرٍ بعد انتخاب ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية. وبقاء العقوبات سيسدّ الطريق أمام جذب المستثمرين الأجانب إلى إيران، وقطع الطريق أمام أحد الشرايين الرئيسية في إنعاش الاقتصاد هدف روحاني الأساسي في ولايته الثانية. وهنا ربما يتوجه روحاني وحكومته إلى خطاب عالي النبرة في سياساته تجاه الشرق الأوسط لاسيما سورية؛ لأن هذه الأخيرة تشكل خطّاً أحمر بالنسبة للمرشد وجيش الحرس الثوري، ولا يمكن تقييم ذلك تحت عنوان "التعاون مع الغرب". حسناً، لماذا؟

العلاقات الإيرانية التركية المتمحورة حول سورية:

تقوم مزاعم التحالف السوري الإيراني الأساسية على إضعاف قوة إسرائيل (وبالتالي أمريكة) الإقليمية لأن سورية تشكل امتداداً لسياسة إيران الداخلية أكثر من كونها واحدةً من قضايا سياساتها الخارجية. فالتأكيد على أن إسرائيل هي "العدو الصغير" والولايات المتحدة الأمريكية هي "العدو الكبير"هو المبدأ الذي تقوم عليها دولة إيران منذ عام 1979. وكذلك تصريحات إسرائيل المتعلقة بمبادراتها وسياساتها الراديكالية تقوم على معاداة إيران. والحقيقة أن هذا العداء بين البلدين وهم أيديولوجي يحتاجه كل منهما في سبيل بقاء مُثُلِهِما العليا.

كما أن المحافظين من جناح الإصلاحيين والمعارضين للمرشد ليست لهم كلمةٌ قويةٌ تُذكر في سياسة إيران الداخلية لاسيما عندما تكون سورية موضوع الحديث. وقد تبين - كما قيل - أن مشاركة فيلقي القدس والفاطميين التابعين للحرس الثوري لم تقتصر على تقديم الاستشارة العسكرية، وقدّم الجيش الإيراني خسائر في صفوفه منذ اندلاع الحروب الأهلية في سورية. وازدادت العلاقات الإيرانية السورية عمقاً في أمور تخص الإمدادات العسكرية والمالية والإنسانية. وبقي البرلمان الإيراني والرئيس الإيراني وحكومته عاجزين عن فعل أي شيئ في هذا الصدد، والقرارات كانت تُنفذ بمصادقة المرشد مباشرة، ومعلومٌ في الأصل أنّ فيلقي الحرس الثوري وحزب الله اللبناني لم يؤمّنا بقاء المثل العليا للدولة فحسب، بل عملا على تأسيس علاقات "مالية" مع كافّة الأطراف الّتي مرّ ذكرها.

والاضطرابات السياسية الداخلية الإيرانية الناجمة عن ملف الفساد الذي يقدر بحوالي 60 مليار دولار، وفك شيفرة شبكةٍ يترأسها شقيق حسن روحاني؛ يمكن تأويلها على أنها تهديدٌ يوجّهه جناح المحافظين للتجديديين في مرحلة يؤكد فيها جناح التجديديين الداعمين لحسن روحاني بنبرةٍ حادةٍ على الثمن الاقتصادي والاجتماعي الباهظ الذي أنفقته إيران في الحرب الدائرة رحاها داخل سورية (ترى بعض التقديرات أن المعونات المالية والعسكرية تجاوزت 15 مليار دولار). وفي ظل هذه الأوضاع يستحيل التفكير باحتمال أن يقطع المحافظون علاقاتهم بسورية للأسباب المالية والعقائدية التي تم التطرق إليها بإيجازٍ .

وحين يكون الوضع على هذا الغرار، فإنّ العلاقات التي تربط تركية بإيران التي تتصادم معها في الشأن السوري تكتسب أهمية أكبر مما كانت عليه في الماضي. ويسود الاعتقاد بأن زيارة رئيس هيئة الأركان العامة محمّد باقر إلى تركية في شهر آب قد تكون إجابة على الأسئلة المثارة حول هذا الشأن، ولا تزال العلاقات التجارية الّتي أُطلقت في ولاية أحمدي نجاد بين إيران وتركية مستمرةً. ولكن من المؤسف أن كلاً من إيران وتركية تقف في جانبين متناقضين للخطوط الحمراء بالنسبة للموضوع السوري. فتركية تأتي في مقدمة أكثر البلدان تأثراً بنتائج الحرب الأهلية السورية، والسياسات الخارجية التركية التي تشوبها بعض الأخطاء، وقد انتقل بعض الفوضى الحاصلة في سورية إلى تركية، وتمّ دفع الثمن غالياً على صعيد المجتمع.

تكتسب العلاقات التي تربط تركية بإيران التي تتصادم معها في الشأن السوري أهمية أكبر مما كانت عليه في الماضي

لقد استمرت العلاقات الخارجية بين إيران وتركية ارتفاعاً وانخفاضاً خلال السنوات المنصرمة، والحكومة القائمة حالياً تجلس على طاولة الحوار لأنها شعرت بحاجتها لتعويض الخسائر الّتي نجمت عن الحرب الأهلية السورية. فالسبب الرئيسي للفوضى الحاصلة في منطقة متأزمةٍ كمنطقة الشرق الأوسط هو بالدرجة الأولى الصراع الروسي الأمريكي على السيادة الإقليمية بما يحقق لهما مصالحهما الخاصة. وطالما أنّ تركية وإيران لا تملكان سلطة اتّخاذ القرارات الإقليمية؛ فإن الآخرين سيستمرّون بتدوين قواعد الشطرنج.

السبب الرئيسي للفوضى الحاصلة في منطقة متأزمةٍ كمنطقة الشرق الأوسط هو بالدرجة الأولى صراع روسي أمريكي على السيادة الإقليمية بما يحقق لهما مصالحهما الخاصة

أدركت تركية وإيران منذ البداية أن آثار الحرب الأهلية التي اندلعت في سورية ستستمرّ عشرات السنين. لكن المصالح اليومية تقدمت على التنبؤات المتوسطة وطويلة الأمد. وإنشاء مناطق خفض النزاع اليوم لن يضع حدّاً للحرب الأهلية، ولن يتعدّى كونه حلاً مؤقتاً قصير الأمد إلى جانب التعقيدات الحاصلة في القضايا الّتي تشكّل مشكلة مشتركة بمعزل عن القضية السورية كالعراق والإرهاب ... كل ذلك يدفعنا إلى أن نقول: إن هنالك حاجة لتشكيل لجنة واسعة تدرس النتائج متوسطة المدى في المواضيع السياسية والاقتصادية والعسكرية - والأهم من ذلك - المجتمعية، وتقود بإعداد الخطط طويلة المدى المتعلّقة بإعادة الهيكلة. وهذا المخرج المُقْتَرَح من أجل إيران وتركية والتطبيقات المنوطة به سيخدم أهدافهما في أن يصبح كلّ منهما قوّة عالمية، ويساهم في التغلب على الفوضى والاضطرابات الإقليمية. والشرط الأولي الأهم لتحقيق هذا الهدف هو أن تتبلور الغايات حول إعطاء الأولوية للسلام والاستقرار العالميين بدلاً من إعطاء الأولوية للمكاسب اليومية لسياسات الدولة العقائدية والمصالح الشخصية. ذلك لأن وبال الأجيال التي يتم تدميرها ثقيلٌ، وسيخرّب مستقبل كلّ من إيران وتركية على حد سواء.

مقالات أخرى
الأكثر قراءة
الكتاب